التجويع.. سلاح صهيوني فتّاك وسط صمت العالم

 

 

 

خالد بن سالم الغساني

 

يستخدم الكيان الصهيوني سلاح التجويع كسلاح آخر يُضاف إلى أسلحة الدمار والإبادة ضد شعب غزة الأعزل، بطريقة ممنهجة ومدروسة، الأمر الذي فاقم أزمات هذا الشعب الصامد والمقاوم، الذي لا ذنب له سوى مطالبته باستعادة حقوقه المشروعة التي كفلتها الأعراف والقوانين الإنسانية، واستباحتها ودنّستها وشردت شعبها قوات الاحتلال الصهيوني المجرم.

منذ بدء العدوان والحصار المشدَّد عام 2023، فرض الكيان قيودًا صارمة على دخول المساعدات الغذائية والطبية، ودمّر البنية التحتية الغذائية من مخابز وطواحين دقيق وأراضٍ زراعية، الأمر الذي دفع القطاع إلى حافة المجاعة. ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة، وصلت غزة إلى المرحلة الخامسة من انعدام الأمن الغذائي؛ حيث يعاني أكثر من مليون شخص، بما يعادل نصف السكان، من جوع كارثي، بينما النصف الآخر يجاهد للحصول على ما يسدّ به جوع يومه. وحتى يوليو 2025، سجّلت منظمة الأمم المتحدة للطفولة وفاة 620 طفلًا بسبب حرب التجويع التي يمارسها الكيان المحتل، بينما يدخل 112 طفلًا يوميًا إلى المستشفيات التي تفتقد لأبسط مقوّمات العلاج والرعاية، لعلاج سوء التغذية الحاد والهزال.

هذه الأرقام وغيرها، ممّا يندى له الجبين، تحكيها قصص أطفال واقعية، تحدّثت عنها وتحدّث كثير من وسائل الإعلام الحُرّة والشريفة. هذا السلاح الخبيث، الذي يستهدف الأطفال والحوامل والمرضى، يقتل ببطء ويترك آثارًا مدمّرة على أجيال بأكملها.

الكيان الصهيوني لا يكتفي بحرمان غزة من الغذاء؛ بل يعمد إلى تدمير كل مصادر الحياة؛ فالقصف المتعمَّد للمخابز والمستودعات، ومنع الصيادين من الوصول إلى البحر، وتدمير أكثر من ثلثي الآبار الزراعية، جعل توفير الخبز أو ما يسدّ به الرمق، والماء النظيف، حلمًا بعيد المنال. وتوثّق منظمة العفو الدولية شهادات مروّعة لأطباء وأمهات يرون أطفالهم يذوبون أمام أعينهم بسبب الجوع، بينما أكّد برنامج الغذاء العالمي استحالة إيصال المساعدات بسبب الحصار.

إن سياسة التجويع التي تمارسها دويلة الكيان الصهيوني، وسط الصمت المذهل لمنظمات العالم، هي جريمة حرب عظمى تنتهك بشكل صارخ، وبكل برودة دم، القانون الدولي.

والأشدّ ألمًا هو موقف الأنظمة العربية التي تقف متفرجة على هذه المأساة؛ فبينما يموت أطفال غزة جوعًا، تكتفي هذه الأنظمة ببيانات الشجب الفارغة أو الصمت المطبق، دون تحرّك جاد لكسر الحصار أو الضغط على الكيان الصهيوني. هذا التخاذل يضعها في صف واحد مع التواطؤ الدولي.

تقارير الأمم المتحدة نفسها تؤكد أن 470 ألف شخص في غزة سيواجهون الجوع الكارثي بحلول هذا الشهر (سبتمبر 2025). ورغم تلك المعرفة المسبقة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في ظل استمرار سلاح التجويع، فإن المنظمة نفسها تتجنّب اتخاذ خطوات حاسمة لإبعاد غول المجاعة المُرعب، خوفًا من الضغوط الصهيونية والأمريكية على وجه الخصوص، أو بسبب تخاذلها وبيروقراطياتها المُهينة والسخيفة. إن هذا الصمت المريب من الأنظمة العربية والأمم المتحدة يجعل من كل يوم يمرّ دون تدخل جريمة كبرى بحق الإنسانية.

وسط هذا الجحيم، وفي وجه كل هذه الأسلحة الفتاكة التي يستخدمها الكيان الصهيوني، يواصل شعب غزة مقاومته بصلابة تفوق الخيال، مؤكدين أنهم ليسوا بحاجة إلى مديح هذا الصمود، الذي لم تعد كل عبارات المدح والإشادة قادرة على وصفه ومنحه مكانته التي يستأهلها، إنهم بحاجة ضرورية إلى طعام ودواء وحياة كريمة؛ فالتجويع الذي أدخلته سلطات الكيان المحتل كسلاح إبادة جماعية جديد، يُطلق صرخة عالية تطالب العالم بأن يستيقظ من سباته، ويكسر الحصار لإدخال المساعدات فورًا، ومحاسبة الكيان الصهيوني على جرائمه.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة